دكتور بدر الدين على أستاذ الاجتماع بجامعة لويز فيل الأمريكية
لقد كانت فترة السنوات الستة بين عامى 67 و 73 والتى عانى خلالها الشعب المصرى من الاحتلال لأرض سيناء وإغلاق قناة السويس ، علاوة على ضربات الطيران الإسرائيلى المتوالية لقوات الدفاع الجوى .. كانت فترة قاسية بالمثل لدى أبناء مصر فى الخارج فى مواجهة الشامتين من جهة والمستفزين من جهة أخرى وكان الإعلام الأمريكى الذى يقع تحت تأثير اللوبى الصهيونى يباهى وقتها بحرب الأيام الستة ... متغنيا بالتفوق الأسرائيلى وبأسطورة الجيش الذى لا يقهر وخط بارليف الذى يستحيل اختراقه وعبقرية القيادة العسكرية فى إسرائيل بدرجة المطالبة بالاستفادة من خبرة تلك القيادة فى إعادة تنظيم القوات الأمريكية المحاربة فى فيتنام خلال تلك الفترة والتى أصابها العدو باصابات فادحة فى الأرواح.
لم يكتف الأعلام الأمريكى بذلك بل كان يسخر من الجيش العربى ويتندر به بدرجة تصوره فى شكل قطيع من الجمال يقوده رجل من البدو ! كل هذا على حساب أعصابنا فى المهجر حيث يحاول كل منا اثبات نفسه وتحقيق حلمه فى المجتمع الجديد ، ولقد كان من المؤلم حقا أن نسمع أحيانا عن شكوى أطفال المغتربين العرب من معايرة التلاميذ لهم فى المدرسة بهزيمة حرب الأيام الستة.
وأذكر أثناء محاضرة لى عن الصراع العربى الإسرائيلى فى تلك الاونة أن تصدى لى أحد الطلاب الأمريكيين مشيرا إلى أن هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلى فى أيام معدودة دليل على عجز العرب وتخلفهم بالمقارنة بقدرة إسرائيل العسكرية وتقدمها العلمى و علق طالب آخر ـ لعله أراد أن يواسينى ـ أن هناك شعوبا مقاتلة بحكم طبيعتها وشعوبا أخرى لا حيلة لها فى القتال قد يكون من بينها شعب مصر وضرب مثلا بالإيطاليين فى الحرب العالمية الثانية وكيف كانت جيوشهم تتهاوى ما بين منسحب ومستسلم أمام قوات الحلفاء ، إذ أنهم بحكم طبيعتهم غير ميالين للمقاتلة ، وكدت ساعتها أن انفجر ... مفحما إياهم بمختلف النماذج الفريدة للبطولات المصرية والعربية عبر التاريخ ولكنى ضغطت على نفسى وتابعت المحاضرة فى هدوء.
وعندما تسلمت عملى فى جامعة لويز فيل عام 1968 واستقرت أمورى بعض الشىء قمت بعدة محاولات لتكوين رابطة تجمع من هم من أصل عربى بالمدينة ، كما حاولت تكوين رابطة للطلاب العرب بالجامعة ولكن باءت كل محاولاتى بالفشل ازاء تردد البعض وتهرب البعض الآخر فلقد كانت آثار هزيمة 1967 لا تزال تلاحق الطلاب المغتربين العرب فى لويزفيل وتكاد تفقدهم ثقتهم فى أنفسهم وتحول دون تصورهم بأن الأمة العربية سوف تنهض من كبوتها وتقف على قدميها من جديد.
وكان يخفف علينا فى ذلك الحين ما نسمعه عن صمود الشعب المصرى وتماسكه وإعادة بناء القوات المسلحة ، ومعاناة القوات الإسرائيلية من حرب الاستنزاف ، تمهيدا للخطوات التالية لتحرير الأرض المغتصبة ، ولكن طال انتظارنا ومرت السنوات بطيئة سقيمة وما زال الاحتلال الإسرائيلى جاثما فوق أرض سيناء ، وبدأت بوادر اليأس تدب فى نفوس البعض خاصة بعد مضى عام 71 و 72 دون تحرك عسكرى واضح ، وكان من المتوقع خلال هذين العامين قيام الجيش المصرى بضربته الحاسمة لطرد العدو الإسرائيلى من سيناء.
ثم جاءت مفاجأة 6 أكتوبر 1973 عبر وكالات الأنباء العالمية ، حاملة معها أخبار الضربة الجوية ضد قوات إسرائيل وعبور الجيش المصرى قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف وتقهقر العدو الإسرائيلى أمام القوات المصرية داخل سيناء إلى غير ذلك من الأنباء السارة وكان معظم المغتربين من المصريين فى أول الأمر غير مصدقين لهذا الفوز المفاجىء ، وتصور بعضهم أن هذه الأخبار مبالغ فيها او لعلها مجرد ادعاءات كاذبة أسوة بما حدث خلال حرب يونية عام 1967 عندما كانت الإذاعة المحلية تعلن بفخر عن اندحار الجيش الاسرائيلى وتقدم القوات المصرية ووصولها إلى أبواب تل أبيب.
وفى صباح اليوم التالى صدرت الصحف الأمريكية لتؤكد أخبار الانتصار العظيم وعلى صفحاتها الأولى صورة للجنود المصريين وهم يرفعون العلم المصرى على خط بارليف وصورة أخرى لعدد كبير من الأسرى الإسرائيليين الذين استسلموا للقوات المصرية ، وصور عديدة لكبار المسئولين فى إسرائيل وهم فى حالة ذعر وارتباك ، وبعضهم يناشد الحكومة الأمريكية أن تسارع فى إرسال العون العسكرى لهم ، ولم يعد هناك أدنى شك لدى المغتربين المصريين والعرب فى صحة المعلومات السابق أذاعتها وتبادلنا التهنئة عبر المكالمات الهاتفية .. وبدأنا نعد الاحتفال بذلك النصر.
ومضت بضعة أسابيع عاودت خلالها محاولتى لتكوين جمعية عربية بالمدينة وإقامة رابطة للطلاب العرب بالجامعة ، وكانت الاستجابة لندائى هذه المرة حماسية للغاية فلقد استرد المغتربون العرب كرامتهم بالمهجر بعد انجازات حرب أكتوبر وأصبحوا يفخرون بانتمائهم للوطن العربى ، وهكذا تم تأسيس الجالية العربية فى لويزفيل وكان لى شرف انتخابى أول رئيس لها ، كما قام الطلاب العرب بإنشاء رابطة لهم بالجامعة وتقرر اختيارى مشرفا لها ـ د. بدر الدين على ـ أستاذ علم الأجتماع بجامعة لويز فيل الأمريكية.
المصدر: جريدة الأهرام عام 1998
أقرا السيدة / غادة رشيد فى حوارها مع الإذاعة المصرية عام 1973
أقرا ايضا لدكتور اسحاق يوسف - بإنجلترا
لو لديك قصة مشابهة وتريد أن يتعرف عليها كل مهتم بحرب اكتوبر نرجو ان تستخدم الرابط التالى لإرسالها إلينا ويفضل أن تكون بالإنجليزية والعربية
قصص المغتربين فى الخارج خلال حربى 1967 و 1973