أتجه المصريون بعد ذلك ناحيتنا ، لا مفر من الاستسلام ... رفعت يدى إلى أعلى وأخذت أصيح فى وجوههم وأنا أرى الموت يتقدم نحوى ( أننى جنرال .. أنا جنرال .. لا تقتلونى .. أريد مقابلة قائدكم ) ، فوجئت بهم يتوقفون عن الضرب .. جندى واحد فقط اضطر قائده إلى أن يأمره بصوت حاد بعدم إطلاق النار

سرت بينهم مقيدا ، لا استطيع أن أقاوم البكاء .. هذا هو أشد الأيام كآبة وأكثرها إحباطا على الجبهة المصرية ، نظراتهم صارمة حادة لكنهم لم يفعلوا شيئا .. كنت أتوقع أنهم سوف يقتلوننى ومن معى فى اية لحظة

قادونى إلى مقر قيادة الفرقة التى كنت مكلفا باختراقها .هالنى هدوء وبرود قائدها، قلت له إننى أملك فى الحياة المدنية فندقا فى تل أبيب ، وشرحت له كيف كانت خطته محكمة وكيف أن الجنود المصريين يقفزون على دبابتنا دون أن يبالوا بأى شىء حتى ولو كان الموت . تحدث هو إلى بصوت هادىء أكد لى أنهم يحترمون قرارات جنيف واننى سأعامل فى الأسر معاملة طيبة . وألمح هو إلى بعض ما جرى للمصريين فى حرب 1967 وقال ( مع ذلك لن نعاملكم بالمثل .. وستلقون معاملة إنسانية ..)ـ

قادونى بعد ذلك إلى القاهرة وتم استجوابى من جديد ، وكانت الأسئلة تتناول أمورا كثيرة فلم تقتصر على النواحى العسكرية وانما امتدت إلى الحياة الاجتماعية والأقتصادية والسياسية وبعض الشخصيات العامة .. أعتقد أنه كان بين المستجوبين أستاذ علم نفس بالجامعة على الأقل

وفى نفس اليوم أخذونى إلى مكان يبدو أنه مبنى التليفزيون ، وعندما رفعوا العصابة عن عينى ليبدأ المذيع حواره معى ، لم استطع فتحهما فى البداية لشدة أضواء الكشافات فى الاستوديو ، بعد ذلك ألقيت نظرة على الوجوه المحيطة بى ، كانوا ينظرون إلى بفخر وحب استطلاع . وكان شاب صغير بينهم يدخن فى عصبية ويرمقنى بنظرات حادة ثم يتحدث إلى من معه

بعد انتهاء التسجيل معى للتليفزيون والتسجيل لإذاعة القاهرة الناطقة بالعبرية قادونى إلى مقر الأسر وقد نظموا لى طوال فترة وجودى عدة رحلات إلى الأهرام وفندق هيلتون كما التقيت ببعض اليهود الذين لا يزالون يعيشون فى مصر وذلك بناء على طلبى

أثناء فترة أسرى كنت أقول لنفسى ترى ماذا حدث لبقية زملائى ترى هل وجدوا طريقهم إلى النجاة

بعد عودتى من الأسر فوجئت بل أذهلنى حجم الخسائر التى وقعت فى صفوفنا ومع ذلك لم تعلن حتى الآن الارقام الحقيقية لخسائرنا

حائر أنا ..حيرتى بالغة .. كيف حدث هذا لجيشنا الذى لا يقهر وصاحب اليد الطولى والتجربة العريضة ؟ كيف وجدنا أنفسنا فى هذا الموقف المخجل ؟ أين ضاعت سرعة حركة جيشنا وتأهبه الدائم ؟

منذ عودتى إلى تل أبيب وأنا أشعر أنهم يهددوننى . لقد حدث شىء لم يسبق له مثيل . انكشفت ثغرات واسعة فى قاعدة حياتنا والمصيبة أن المسئولين يبذلون أقصى جهودهم لإخفاء هذه الثغرات بدلا من الأهتمام بعلاج أسبابها

لقد كان هناك من يشعر بالأمل فى وقت من الأوقات .. على أساس أنه سوف تظهر الحقائق وتعالج الأخطاء .. وقد كنت واحدا من هؤلاء حتى وقت قريب ، ولكنى اليوم انتمى إلى من خابت آمالهم

المصدر : ـ : ـ الطوفان طبعة 1977 ـ للكاتب والأذاعى المشهور ( حاليا ) والمراسل الحربى خلال حرب أكتوبر 1973 و صاحب أشهر برامج إذاعية فى ذلك الوقت كصوت المعركة و يوميات مراسل حربى ـ حمدى الكنيسى

المصدر : ـ مقال نشر لعساف ياجورى بصحيفة معاريف الإسرائيلية 7 / 2 / 1975

مواقع التواصل الاجتماعي